الذكاء الإصطناعي في الإعلام: الاتفاقيات الدولية ودور الصحفيين في ظل تطور أدوات الذكاء الإصطناعي

2023-06-05 01:12

معرض الصور لبنان

مقدمة

الذكاء الاصطناعي هو مصطلح شامل يصف النظم والأجهزة والبرامج الحاسوبية التي تستخدم تقنيات وخوارزميات محددة لتحليل البيانات واتخاذ القرارات وتنفيذ المهام بشكل مستقل وذاتي. ويتضمن الذكاء الاصطناعي تقنيات مثل التعلم الآلي والتعرف على الصوت والصورة وتحليل النصوص والذكاء العام والخوارزميات المتخصصة في المجالات المختلفة.

يهتم الذكاء الاصطناعي ايضا بصناعة آلات وروبوتات مرتبطة بأنظمة حواسيب، تقوم بتصرفات يعتبرها الإنسان تصرفات ذكية، أو تمتلك الخصائص المرتبطة بالذكاء واتخاذ القرار وأداء بعض المهام التي تتطلب التفكير والفهم والسمع والتكلم والحركة بدلاً من الإنسان.

يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، من بينها الإعلام. يشمل الذكاء الاصطناعي في الإعلام عدة مجالات، منها الصحافة والتحرير الإعلامي والإنتاج والتوزيع والتسويق وغيرها. وباستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذه المجالات، يمكن للمنتجين الإعلاميين تحسين تجربة المستخدم وتوفير محتوى إعلامي أكثر اهتمامًا للجمهور وتوليد العناوين والمقالات والتقارير بطريقة أسرع للجمهور وكذلك يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحليل البيانات وتوجيه الإعلاميين والصحفيين في اتخاذ القرارات الصحيحة والمدروسة. وتشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في تحويل قطاع الإعلام والصحافة بشكل كبير خلال السنوات القادمة.

بالرغم من الفوائد العديدة التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي لصناعة الإعلام والصحافة، إلا أنه يحمل آثار سلبية عديدة قد تهدد الصحافة وتشوش العمل الإعلامي. وهذا يعني أننا اليوم بحاجة الى تشريعات واتفاقيات دولية تنظم عملية استخدام أدوات وتقنيات الذكاء لاصطناعي.

 أبرز الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي في الاعلام هي:

1. تهديد الوظائف: قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام والصحافة إلى تقليص الحاجة إلى العمالة البشرية، وذلك من خلال استبدال بعض الوظائف الإعلامية والصحافية بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى فقدان بعض الوظائف وتهديد مصادر الدخل للعاملين في هذا المجال.

2. التأثير على الحيادية الإعلامية: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر على حيادية الإعلام من خلال تحليل البيانات وتوجيه المحتوى وفقًا لتفضيلات الجمهور، مما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الآراء المتشابهة وتقليل التنوع الإعلامي.

3. خطورة تداول الأخبار الكاذبة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم في إنتاج وتداول الأخبار الكاذبة والتضليلية، مما يمكن أن يؤثر على مصداقية وثقة الجمهور بالإعلام والصحافة.

5. حقوق النشر والملكية الفكرية: يستند الذكاء الاصطناعي على شبكات عصبية اصطناعية وتلزمه مجموعات شاملة من البيانات كي يتدرب عليها. في الغالب، تضم تلك المجموعات صوراً أو مقاطع فيديو أو أصواتاً أو نصوصاً. وقد تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي قواعد البيانات المحمية بحقوق الطبع والنشر من دون إذن أصحابها. يشكو المسؤولون عن مصادر تلك المعلومات اليوم من استخدام أعمالهم من دون موافقتهم أو إرجاع الفضل إليهم، أو حصولهم على أي تعويض.

4. الخصوصية والأمان: قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام والصحافة إلى تهديد الخصوصية والأمن الإلكتروني، حيث يمكن أن يتم جمع وتحليل البيانات الشخصية للمستخدمين دون علمهم أو موافقتهم، مما يشكل تهديدًا لخصوصيتهم وأمنهم الإلكتروني.

في الولايات المتحدة التي تعد موطن أكبر شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأشهرها شركة "Open AI" المدعومة من "Microsoft" والتي أنشأت "Chat GPT"، وجهت وزارة التجارة الأميركية دعوة الى الجهات الفاعلة في قطاع التكنولوجيا لتقديم مساهمات لادارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل إعداد تصور حول أنظمة خاصة بالذكاء الاصطناعي. وكانت الوزارة نفسها أشارت الى أنه كما لا يتم توزيع الطعام والسيارات في الأسواق من دون ضمان مناسب للسلامة، كذلك يجب أن توفر أنظمة الذكاء الاصطناعي ضماناً للعامة والحكومة والشركات بأنها ملائمة.

وفي الوقت الذي تفتقر فيه الولايات المتحدة الى القوانين والتشريعات اللازمة في هذا المجال، صرح الرئيس الأميركي بأنه ليس هناك حكم نهائي في ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يشكل خطرًا على المجتمع، لكنه حض الكونغرس على تمرير قوانين تضع قيوداً صارمة على شركات التكنولوجيا الضخمة.

وفي الاتحاد الأوروبي تتحرك بعض الدول لمواجهة تطور تقنية الذكاء الاصطناعي منها فرنسا واسبانيا وإيطاليا، وبدأت تتطور التحقيقات في ما يتعلق بانتهاك "Chat GPT" التشريعات المتعلقة بحماية البيانات في الاتحاد، خصوصاً بعد الإعلان عن إنشاء فريق عمل بهدف تعزيز تبادل المعلومات حول أي إجراءات يمكن اتخاذها تجاه "Chat GPT"، وعلى الرغم من تأييد الاتحاد للتقنيات المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي لكنه شدد على أنها يجب أن تكون دائماً "متوافقة مع حقوق الناس وحرياتهم".

وفتحت العديد من هيئات حماية البيانات الشخصية في عدد من الدول المذكورة تحقيقات بشأن احتمال مخالفة التشريعات المتعلقة بحماية البيانات، كما فعلت الهيئة الإسبانية لحماية البيانات وفتحت تحقيقاً في شأن شركة "Open AI" الأميركية التي تملك "Chat GPT" لاحتمالها مخالفة التشريعات المتعلقة بحماية البيانات. وفي فرنسا قررت الهيئة الفرنسية لحماية البيانات الشخصية فتح "إجراء رقابة" مرتبط ببرنامج "Chat GPT".

وأصبحت إيطاليا في نهاية آذار أول دولة تحظر "Chat GPT" موقتاً، وعللت سلطات روما قرارها بعدم احترام البرنامج التشريعات المتعلقة بالبيانات الشخصية، وبعدم وجود نظام للتحقق من عمر المستخدمين القصّر.

هل يوجد قوانين أو إتفاقيات دولية تحمي حقوق الصحفيين في ظل الذكاء الإصطناعي؟

على مدار أكثر من 60 عاما صدرت قوانين دولية عديدة لحماية الصحفيين وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم في زمن السلم وحالات الحرب والنزاعات العسكرية،  أبرزها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي  نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود الجغرافية ". الا أنه لا يوجد حتى اليوم أي قوانين او اتفاقيات دولية رسمية محددة تنظم عملية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتحمي الصحفيين من سرقة معلوماتهم وبياناتهم الخاصة.

هناك بعض المنظمات والجمعيات التي تعمل على وضع مبادئ وقواعد ومعايير أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام والصحافة، مثل مجموعة خبراء الأمم المتحدة للذكاء الاصطناعي. كما أن بعض الدول والجهات الحكومية والمؤسسات الاعلامية والصحفية في مختلف أنحاء العالم قد قامت بوضع مبادئ توجيهية وأخلاقية للعمل،  وبدأت بتطوير أنظمة وقوانين وسياسات داخلية لتحديد كيفية استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المحتوى الإعلامي، بما في ذلك المعايير الأخلاقية وحماية الخصوصية وحقوق النشر والملكية الفكرية. الا أن العالم العربي متأخر في هذا المجال، فحتى يومنا هذا لم يتم إصدار قوانين للنشر الإلكتروني في معظم الدول العربية، بل لا نزال أمام مشاريع قوانين يتم حولها النقاش، وقد توقف عمل المشرعين عند سن وتطوير القوانين الخاصة بالصحافة الالكترونية في العديد من الدول العربية، وبالتالي الحديث عن قوانين تنظم وتحمي صحافة الذكاء الاصطناعي بات بعيدًا.

ان الدول العربية تواجه صعوبة المواكبة التشريعية لتطور تكنولوجيا الإعلام التي تعرف تحولات سريعة، في حين أن المواكبة التشريعية لها ضعيفة جدًا بسبب بطء مسطرة صياغة القانون والمراحل التي يمر بها والقنوات التي يعبرها وما يعتري العملية التشريعية من تعثر.

الذكاء الإصطناعي والأخبار الكاذبة

على الرغم من التطور والتقدم الذي ينجز، لم يصبح الذكاء الاصطناعي مصدراً موثوقاً للمعلومات، ويعود ذلك الى وجود العديد من المغالطات، اذ يواجه مشكلات في كثير من دول العالم إن كان في أوروبا أو أميركا خصوصاً تلك التي تتعلق بحماية البيانات، إضافة الى أن المحتوى الذي يقدمه مبني على معلومات مخزنة من مصادر أو أشخاص أو كتب أو مواقع الكترونية مختلفة، وهذه المعلومات الموجودة قد تكون خاطئة أو كاذبة أو منحازة في محلات معينة، وليس بالضروري أن تكون عن قصد. على سبيل المثال إن سألنا 10 أشخاص في الطريق عن رأيهم بأحد الوزراء اللبنانيين فستكون اجاباتهم مختلفة، لأن كل واحد منهم لديه معلوماته ورأيه المختلف عن الآخر.

من المخاوف الأخرى التي لها انعكاسات خطيرة على مستوى المعلومة المزيفة، هي تزييف الصور التي تمنح برامج الذكاء الاصطناعي أي شخص القدرة على خلق أي صورة بسهولة وبسرعة كبيرة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكن أن تزيف صورة بن لادن مثلا وتقول إنه مازال حيا، وهو يمسك بجريدة اليوم، أو أن يتم تزييف صور الزعماء، أو الشخصيات المعروفة، ونجوم السينما والمشاهير، وقد شهدنا الكثير من الصور المزيفة التي أثارت بلبلة لنكتشف فيما بعد أنها مزيفة، وعمدت وكالات الأنباء والصحف الكبرى على رصد الصورة المزيفة من الحقيقية،  فقد تم مؤخرا مثلا نشر صور للبابا فرنسيس وهو يرتدي معطفا كبيرا، أو صورة لاعتقال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ويعمد البعض لنشر مثل هذه الصور لتحظى بعدد من المشاهدات الكبير تصل إلى عدة ملايين مشاهدة. فالمسألة بالطبع تسيء للضحية، وربما بقي الخبر في أذهان متلقيه لينقله إلى متلق آخر دون أن يتحقق إن كانت الصورة صحيحة أو مزيفة، وهذا ما يتطلب بالطبع قوانين تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي، كي تجرم من يسيء استخدامها. ولكن هل يمكن إيقاف التطور في أي مجال من مجال العلوم والتكنولوجيا؟ من الصعب جدا تحقيق ذلك فكل التحذيرات السابقة فيما يخص تطوير مجالات علمية عديدة لم تؤخذ بعين الاعتبار، وسيظل الذكاء الاصطناعي كتكنولوجيا رفيعة بمقدرتها تشويه بعض الحقائق وتشوش الإعلام.

هل مهنة الصحافة محمية من الذكاء الإصطناعي؟

إن الإعلام التقليدي بما فيه الصحافة، مطلوب منه مواكبة التقنيات الجديدة، حيث تحتاج الصحف وغرف الأخبار بالتلفزيونات مثلاً إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير أعمالها، وتوفير جهود صحفييها المهدرة على أمور روتينية، لتقوم بها برامج ذكية متطورة، مثلما قامت به وكالة الأنباء الكندية من إنشاء نظام لتسريع الترجمات يعتمد على الذكاء الاصطناعي، أو نظام يكشف عن الصور المزورة كما فعلت وكالة فرانس برس وغيرها من أمثلة.

لكن هناك مخاوف لدى بعض العاملين في مجال الصحافة من أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على إلغاء بعض الوظائف التي يشغلها البشر حالياً. الا أن الصحافة تعتبر من المهن الإنسانية، الإبداعية، والابتكارية، وهذا النوع من المهن محمي الى حد كبير من اكتساح الذكاء الاصطناعي. بالتالي لن يتم تسريح العاملين بالسهولة التي يتوقعها البعض، وإنما يتم توجيههم نحو القيام بالمهام التي ما زال البشر متفوقين فيها على الذكاء الاصطناعي وبرمجياته وتطبيقاته، أو ما نسميها بالصحافة العميقة. حيث المهام المتعلقة بالحوارات الإنسانية أو الصحافة الاستقصائية، التي لم تظهر بعد تطبيقات وأنظمة قادرة على تنفيذها حتى الآن. لذا لن يكون من الحكمة عند أصحاب المؤسسات الإعلامية، تسريح العاملين من أجل توفير بعض الأموال، فالبشر رغم التطور التقني في الإعلام، لابد أن يكونوا في صناعة الإعلام، هم المحاور التي ستدور تلك الروبوتات الذكية حولها.

ويمكن القول أن الصحفي الناجح لن يفقد وظيفته، والذي يتعلم تقنيات الذكاء الاصطناعي ويبادر للمشاركة بورش العمل والتدريبات الخاصة بهذا المجال سيحل مستقبلًا محل زميله "الكسول" الذي لم يحتوي تقنيات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الإصطناعي .

دور الصحفيين في ظل تطور آليات الذكاء الإصطناعي

أكد عدد من الأكاديميين والمختصين في المجال الإعلامي على ضرورة أن يستفيد الصحفيون والإعلاميون من تقنيات الذكاء الاصطناعي، واستخدامها لتحليل البيانات وتجميع المعلومات من مصادر مختلفة ، إضافة  لتحسين جودة تغطية الأخبار وتوفير المعلومات بطريقة أسرع وأكثر شمولية، مشيرين إلى أنه من المتوقع أن يستمر تطور الذّكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام في المستقبل.

بالتالي، المطلوب من الصحفيين مواكبة التقنيات الجديدة وأن يكون لديهم مهارات مختلفة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، بما في ذلك فهم التقنيات المتاحة والقدرة على تحليل البيانات والتواصل مع الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن الضروري ان يتدرب الصحفي على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح وفعال مع الحفاظ على المعايير المهنية والأخلاقية العالية وضمان صحة ومصداقية المعلومات المنشورة.

خاتمة

نجد اليوم أن تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنام كبير في عالم الصحافة والإعلام، وستؤدي إلى إحداث تغيير جذري في عالم الإعلام، وهذا التغيير سيؤثر بالضرورة على المنتجين، وكذلك المستهلكين الذين هم عموم القراء ومتابعو الوسائل الإعلامية. وكلما تسارعت خطى المؤسسات الإعلامية نحو الرقمنة أولاً، ومن ثم احتواء تقنيات الذكاء الاصطناعي وبرمجياته وتطبيقاته، والعمل على تطويعها من أجل تعزيز العمل الإعلامي وتطويره، كلما كانت فرص بقائها في ميدان التنافس كبيرة. والعكس صحيح.

التقنيات المبتكرة كالذكاء الاصطناعي يجب أن تكون متوافقة مع حقوق الناس وحرياتهم. بالتالي، نحن اليوم بحاجة الى سن قوانين وابرام اتفاقيات دولية تنظم عملية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحمي حقوق الصحفيين وبياناتهم ومعلوماتهم اضافة لحقوق الطبع والنشر والملكية الفكرية.